في رواية جبران خليل جبران عندما يمرّ القديس في الغابة و يسمع آهات من بعيد يقترب القديس ليرى أبشع صورة مستلقية تتأوه... بالطبع... لم تكن تلك الصورة إلّا لشخص يلعنه الجميع إنه الشيطان .و عندما يهمُّ القديس لقتله يتوسل إاليه الشيطان و يقول له كلمة مهمة جداً (إن قتلتني فلا حاجة للقديسين في الدنيا و ستنتهي مهمتك و ستخسر من يتبعون لك).
ربمّا قرأ القرضاوي هذه الرواية و من ذلك المنطلق تجنب أن يتعرض في خطاباته لإسرائل أو أمريكا كي لا يخسر أؤلئك الذين يتخذون منه قديسهم البارّ بل أتبع أسلوباً جديداً ألا و هو محاربة أعدائهم فهي كفيلة بأن يبقى الرجل المسيطر الذي بفتوة منه يحرّك ضعاف النفوس من المتعصبين ليعيثوا فساداً في الأرض .
و إن كانت مهمة الدين الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إتمام مكارم الأخلاق لقول الرسول الأعظم منه السلام (إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق) فإنّ القرضاوي رأى أن الأمر بالمعروف و إتمام مكارم الأخلاق خطراً كبيراً يهدّد مكانته لأنه لو أخطأ و قام بمثل هذا لفقد هيمنته على بعض أتباعه الذين سيرون أن من واجبهم و شيخهم يأمرهم بالجهاد و فضائل الأخلاق أن يكون أول شخصٍ يُحارب لا بل يُعدم و يُمثّل به .
و رسم القرضاوي خططه الدنيئة تحت غطاء الدين فهو (أي الدين) كفيل بأن يحرّك حتى أكبر مثقف في العالم العربي الذي عانى ما عانى من رجال الدين الحمقى المتعصبين لبعض الأفكار و المبادئ التافهة.
و كانت أولى خططه أن يضرب بيد من حديد كل من يحاول أن يقاوم أو يحارب الغرب متمثلاً بأمريكا و اسرائيل و أوربا الذين رأووا في سايكس بيكو أن وراء المتوسط (و يقصدون الوطن العربي)خطراً يهدد وجودهم و أقروا أنه يجب أن يبقى هذا الوطن العربي الكبير متشتتاً و مفرقاً بشتى الوسائل و ما لبثوا أن حققوا ما أرادوا فكان الوطن العربي 22 دولة و هي (أي أعداد البلدان العربية ) في ازدياد بعد أن صار السودان دولتين و اليمن يمنين ولبنان أحزاب متقاتلة و العراق ثلاث دول و المؤامرة ما زالت تمضي في التقسيم...... .
و عندما وجدت هذه الدول أن هناك بعض البلدان العربية لم تخضع لسياسة التجزيئ خططت لتضربها بوسيلة أخرى فكانت هذه المرة ضرب البلد العربي في صميم استقراره و أتخذت ما الشعوب العربية أنفسهم هذه المرة آداةً لتحقيق ما تريد و طبعاً ولا يخفى على كل قارئ أن أهم ما يحرك الشعوب العربية هو الدين فقامت بالتخطيط لتجنيد رجال الدين من أمثال القرضاوي لبث فتاويهم المشبعة بالبغضاء لتثير الشعوب .
إضافةً إلى استفادتها بالشكل الأكبر من الاعلام المسيّس آخذة بعين الاعتبار أن منظر الدم الذي سيشاهده الناس على التلفاز (والذي لا يخلو بيت منه) سيحرك الكجتمع الدولي و يثير المتظاهرين و أعدّت فريقاً مميزاً من الخبراء لتشويه الحقائق و الصور و إشباعها بالدماء .
و قامت هذه الدول بالتخطيط مع أكبر عملائها كبندر بن سلطان فتى الولايات المتحدة المدّلل
لضرب هذه البلدان في صميم وحدتها . و كانت اطلاعاتهم تبين أن الدول العربية جميعها تحت خط الفقر و أن بعض البلدان تضم في نسيجها طوائف و فئات عديدة و أن امكانات أغلب الدول لا تؤهلها لإجراء اصلاح شامل في يوم و ليلة .
فحرضت ضعاف النفوس للمطالبة بالإصلاح ولكن بطريقة ليست كما في أوربا و أمريكا ألا و هي إثارة الشغب لتعطي لرجال الأمن مبرراً للتدخل و يسقط من يسقط بين قتيل و جريح حتى يتسنى لها عقد جلسة طارئة في مجلس الأمن و تأخذ هي الضوء الأخضر للتدخل و نسف الأنظمة من جذورها .
في تونس أحرق ذلك الشاب نفسه و كانت شرارة الثورة -كما يسميها البعض- لتطيح بنطام ابن علي و في مصر (حيث النظام الحليف لأمريكا ) رأى الغرب أن مهمة مبارك انتهت و حان الوقت لتجزيئ مصر و أسدت النصح لمبارك بالتنحي ( وقد خيّت آماله في المساعدة) و في ليبيا سلحت الثوار فكان أسمها الثورة المسلحة و ها هي الآن تقصف القذافي و كتائبه و حتى الثوار الذين يرون فيها حليفاً .
أما في البحرين لم تحرك هذه الدول ساكناً بل أعتبرتها شأناً داخلياً لا يستدعي أن يُعقد في مجلس الأمن جلسة لإعطائها الحق في التدخل فهي تتمركز فيها من عشرات السنين بل بالعكس ترى في مظاهرات البحرين خطراً عليها.
و في السعودية (حيث الدجاجة التي تبيض ذهباً لها) لم تتدخل بأعتبار أن المظاهرات شأناً داخلياً.
وفي اليمن كذلك الامر فنظام صالح حليف السعودية التي لن تتوانى في حفظ الأمن في اليمن فرأيناها تقصف الحوثيين على حدود اليمن و تعطي صالح الضوء الأخضر في أعماله. و لسنا في صدد تقييم أنظمة هذه الدول فهي شأن داخلي ليس لأحد الحق بأن يتدخل فيها.....
و لنأتي لأهم جزء في الخطة ألا و هي زعزعة الأمن في سورية و بالتحديد الضغط على نظام الأسد ليقدّم تنازلات لها غير أنها أخطأت الهدف فنظام الأسد ثابت في مواقفه و مبادئه و الأسد الرجل الصلب في مواقفه و المتزن في قرارته سيحبط المؤامرات و سيُبقي سورية قلعة حصينةً لن تنالها أيادي الأعداء.
الرئيس بشار الأسد الذي يكنُّ له كبار السياسين في العالم بأنه رجل صعب المراس و سياسي بارع لا يهابُ الطرف الآخر مهما كان ذلك الطرف ذو باع طويل بالسياسة و قد أثبت هذا الشيئ في كثير من مواقفه (التي يعتز بها كل سوري و عربي ) كيف لا و هو شبل القائد الراحل حافظ الأسد الذي قال عنه كبار الساسة الأمريكين (تعلمتُ الصبر من حافظ الأسد)
و الرئيس بشار الأسد الذي يولي مسيرة الإصلاح في سورية أولوية كبيرة و يولي بناء شخصية الانسان أهمية أكبر من منطلق أنه يجب علينا أن نبني الانسان ليكون قادراً في المشاركة ببناء الوطن.
التقى القرضاوي بسيادة الرئيس بشار الأسد إبان حرب غزة و استقبله السيد الرئيس بحفاوة و كرّمه باعتباره رجل علمٍ يحمل رسالةً سامية فكان كما يقول المتنبي :
إذا أنت أكرمتَ الكريم ملكتًهُ و إذا أنت أكرمت اللئيم تمردا
وقد نسي القرضاوي أو تناسى أن يقدم النصح- الذي يرى أنّ من واجبه كداعية علم إسداء النصح للآخرين- للرئيس الأسد (علماً أنّنا كسورّيون لا نقبل كلمة –النصح- للسيد الرئيس لأنها غير لائقة و لأن السيد الرئيس يترّفع بحنكته السياسية و ثقافته عن هذه المصطلحات)
فضّل القرضاوي أن يبثّ سمومه من على منابر الفتنة و أن يستبدل الحديث في خُطَبَه الأسبوعية عن غزة و فلسطين الجريحة بنشر الفتنة و بث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد في سورية التي استقبلته قبل أشهر بحفاوة لا تُوصَف فكان كما يقول المثل خيراً تعمل و شرّاً تلقى
(التتمة في المقال التالي)
